الأحد، 12 أبريل 2009

راى المقهى




ظهر المعلم محمود صاحب المقهي علي غير عادته‏,‏ وفي ساعة غير الساعة التي يذهب فيها للمقهي‏..‏

وكان المعروف عن المعلم انه رجل يحب الضحك ويهوي الشيشة ولا تغادر الابتسامة شفتيه‏..‏

وكان المعلم محمود يحتفظ في جعبته بمجموعة من النكت التي لا تعرف من اين يأتي بها‏..‏

وهو لا يكرر النكت التي يقولها فاذا كرر نفسه اضاف الي النكتة اشياء واختصر منها اشياء فاذا بها نكتة جديدة‏..‏

وكان المعلم اذا ضحك اسمعت ضحكته البيوت المجاورة‏..‏

هذه المرة‏,‏ كان المعلم يسير مقطب الوجه‏,‏ غاضب النظرة‏,‏ عابس الجبين‏..‏

وفي هذا الوضع الجديد عليه‏,‏ اعتاد الناس ان يتجنبوه‏,‏ فقد كان المعروف عن المعلم انه كان فتوة في ايام شبابه‏,‏ وكانت يده تسبق لسانه‏..‏

من هنا كان من الحكمة الابتعاد مسافة عن المعلم حتي اذا غضب وطوح بيديه لم يصبنا من الحب جانب‏..‏

كان من عادة المعلم اذا دخل المقهي ان يحيي الزبائن وكان يعرفهم بالاسم ويعرف ابناءهم واحوالهم ولكنه دخل صامتا هذه المرة‏,‏ ودخل دون ان يحيي احدا وجلس امام مكتبه الصغير الذي كان ترابيزة لها درج له مفتاح‏..‏

بعد دقائق كان صبي المقهي قد وضع الشيشة امام المعلم وظبط النار عليها وراح يهوي عليها بكرتونة في يده‏,‏ شد المعلم نفسا عميقا من الشيشة وسأل صبي المقهي‏..‏

ـ عبده افندي جه‏..‏
قال صبي المقهي ـ لا يا معلم لا هو جه ولا سيد افندي جه‏..‏

سأل المعلم ـ ماجوش ليه؟
قال صبي المقهي ـ الدنيا صيف يا معلم‏,‏ جايز بيصيفوا‏,‏ انشغل المعلم بشد انفاس الشيشة والقي نظرة سريعة علي المقهي فاكتشف ان عدد الزبائن قليل‏..‏
التفت الي صبيه وسأله‏..‏

ـ الزبائن قليلون ليه يا بليه‏..‏
قال صبي المقهي وهو ينصرف بعد ان ناداه زبون‏..‏
ـ يعني انا اللي اكلت الزباين‏..‏

بعد ساعة من وصول المعلم محمود وصل عبده افندي ووصل بعده سيد افندي‏..‏
وجلس الثلاثة علي مائدة واحدة‏..‏
سأل سيد افندي المعلم محمود‏..‏
ـ اخبارك ايه يا معلم‏..‏
قال المعلم‏:‏ عندي حريقة في البيت‏..‏
سأله عبده ـ حريقة ازاي‏..‏

قال المعلم‏:‏ الولية مراتي لها أخ بيشتغل في شرم الشيخ‏,‏ باع اللي وراه واللي قدامه وفتح دكان هناك‏..‏ من ساعة ما اتعرف خبر الارهاب وهي بتعيط‏.‏ عاملة في البيت مناحة‏,‏ ما احناش عارفين اخباره ايه‏..‏ عايش واللا ميت‏..‏ سليم واللا مكسور‏..‏ انا بقول لها لو كانت الاخبار وحشة كان زمانها وصلت‏..‏ بحاول اطمنها لكن مش عارف اهديها ابدا‏..‏

تكلم الثلاثة بعد ذلك في موضوع واحد هو الارهاب‏..‏
قال المعلم ـ حد يموت حد ما يعرفوش‏..‏ حد ما شافوش قبل كده‏..‏
ايه الجبن ده‏..‏
وبعدين ده مش موت وبس‏..‏
ده موت وخراب ديار‏..‏ علي رأي المثل‏..‏
انا عندي فكرة عن اللي عمله اخوها لحد ما قدر يجمع القرشين عشان يفتح الدكان‏..‏
باع اللي حلته كله‏..‏ واستلف من قرايبه اصحابه وحبايبه ما خلاش حد ما مدش ايده ليه‏..‏
بعد كده ييجي واحد صايع وجبان ينسف له شقا العمر كله في لحظة‏..‏
حاول سيد افندي ان يواسيه‏,‏ ولكنه لم يعرف ماذا يقول له وكيف يعزيه‏..‏

كان المقهي كله غاضبا وحزينا ومقطبا‏..‏ هذا الحزن الذي لا تصلح معه مواساة‏,‏ ووسط هذا الصمت الفاجع قال المقهي كلمته‏
‏‏‏‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق